مجتمع المحامين

خطاب بشأن تعديلات قوانين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ


الموضوع: رفض وتحذير من خطورة الانحراف بالتشريع عن أهدافه الدستورية والديمقراطية
من: أشرف فتح الباب – محامٍ بالنقض
إلى: الرأي العام، والمشرّعين، والسادة المسؤولين المعنيين بالتشريع والرقابة والعدالة
السادة الكرام،
أتوجه إليكم اليوم بهذا الخطاب، لا بصفتي القانونية فقط، بل بصفتي مواطنًا غيورًا على سلامة هذا الوطن، وعلى قدسية التشريع، وحرمة الإرادة الشعبية، وحق الأجيال القادمة في تمثيل نيابي حر وعادل.
لقد طالعنا مؤخرًا تصريحات النائب المحترم / أحمد عبدالجواد بشأن التعديلات التي طالت قوانين مجلسي النواب والشيوخ، وادعى أنها تأتي في إطار تطوير العمل البرلماني وتحديث الإطار القانوني للعملية الانتخابية. وإنني، ومن موقعي القانوني والمهني، أرى في هذه التعديلات خطرًا جسيمًا لا على البرلمان فقط، بل على مستقبل التمثيل السياسي في مصر.
السادة المسؤولون،
إن القوانين الانتخابية لا تُفصّل على مقاس حزب أو تنسيقية، بل تُصاغ لتحقيق مبدأ التمثيل المتكافئ، وضمان التعددية، وصيانة الاختيار الحر للناخب. أما ما قُدم من مشروعي قانون بشأن تقسيم الدوائر وتوزيع القوائم، فلا يمكن وصفه إلا بأنه تفصيل سياسي معيب مغلّف برداء قانوني، يهدف إلى إحكام السيطرة لا تحرير الإرادة.
نظام القوائم المغلقة المطلقة، الذي يتم الترويج له وكأنه أداة تحديث، هو في حقيقته أداة إقصاء مباشر للمستقلين، وقتل للصوت الحر، وتحايل قانوني لتعيين ممثلين باسم الانتخابات. إننا لا نشهد تطويرًا للعملية الانتخابية، بل انتكاسة تشريعية تُعيدنا إلى الوراء.
السادة النواب،
إن من واجب المشرّع أن يُحافظ على جوهر الدستور لا أن يتحايل عليه. فهل علمتم أن المادة (5) من الدستور تُقرّر التعددية السياسية كأساس للنظام السياسي؟ أين هي التعددية في نظام يُحتكر من أحزاب بعينها؟ أين هي العدالة إذا كانت القوائم تُغلَق بصفقات حزبية دون مشاورة حقيقية مع الشعب؟
هل يُعقل أن يُحرم ملايين المصريين من حقهم في الترشح الحر والمنافسة الشريفة، تحت ذريعة التقسيم الإحصائي؟ وهل تُجزّأ الإرادة الشعبية هكذا ببرود الأرقام؟ وهل نحيا في ظل ديمقراطية شكلية قائمة على إجراءات، بينما المضمون مُفرّغ من أي تمثيل حقيقي؟
السادة الأفاضل،
إن هذه التعديلات إذا أُقرت، فستكون شهادة وفاة رسمية للبرلمان الحقيقي، وستحوّل المؤسسة التشريعية إلى مجرد ختم على إرادة السلطة التنفيذية، بدلًا من أن تكون سلطة رقابية وتشريعية تعبّر عن نبض الناس.
من هنا، وبكل وضوح، أُحمّل كل من يشارك في تمرير هذه التعديلات مسؤولية تاريخية ودستورية كاملة. إننا أمام لحظة مفصلية، إما أن نُعيد فيها احترام الإرادة الشعبية، أو نُكرّس لعهد جديد من الصورية السياسية، والعزوف الشعبي، واليأس من أي تغيير.
إنني أطالب بما يلي:

  1. سحب هذه التعديلات فورًا وإعادة عرضها على حوار مجتمعي حقيقي تشارك فيه كل التيارات الوطنية.
  2. إلغاء نظام القوائم المغلقة المطلقة، واستبداله بنظام يضمن الشفافية، ويُتيح المنافسة المتكافئة بين الأفراد والأحزاب.
  3. تشكيل لجنة وطنية مستقلة من رجال القانون والدستور والمجتمع المدني، لتقييم منظومة التشريع الانتخابي من جذورها.
  4. وقف استخدام الإحصاءات كسلاح لتبرير الهيمنة السياسية، وإخضاعها لرقابة علمية ومجتمعية صارمة
    وجهة نظري المحدودة
    التشريع ليس أداة للسيطرة، بل عهد بين الدولة والمواطن. وإن مصادرة هذا العهد عبر قوانين مفصّلة لصالح أطراف محددة، يُعد خيانةً لوظيفة القانون، وتجاوزًا لا يغتفر في حق الشعب والدستور.
    والله والوطن والشعب من وراء القصد،
    التوقيع: أشرف فتح الباب
    محامٍ بالنقض – باحث في العدالة الدستورية
    21 مايو 2025

الساعة نيوز

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى